أحلام أطفال - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


أحلام أطفال
إياد مداح - 27\04\2010
وأنا طفل صغير، كنت أعتقد أن السماء تمطر أزهارا، وأن الغبار يمتطي ظهر الريح، وأن الآباء لا يكونون أطفالا بلا شوارب، وأن ألعابي ستكبر معي، وأنا طفل صغير كنت أعتقد أن الناس يجتمعون كل عام على ملء البحار وكل بلد تكون مسؤولة عن بحارها وأنهارها، وأنا طفل صغير كنت أعتقد أن السماء غطاء يتبدل وأن هناك شخصا عين لهذا الغرض، لم أكن أعرف وأنا صغير أن هناك شيء اسمه انتخاب وحتى حين كبرت بقيت الحال كذلك، المهم تخيلت أن ذلك الشخص كان طويل القامة، لأن الوصول للسماء ليس بالأمر الهين.
وعلى مزاجي الشخصي بنيت لي عالما، بنيت بيتا فوق شجرة وفي بيت الشجرة التقيت الرجل طويل القامة، الذي قال لي أنه ليس هو من يزيح ستارة السماء وأن مهنته هي فقط أنه رجل طويل القامة، ومن يزيح ستارة السماء لا يعرفه أحد.
في عالمي الشخصي، كان بيتي من أغصان الشجر وطعامي كان كل انواع الكعك والحلويات الممنوعة والمسموحة، كنت كل يوم أمتطي مكنسة القش وأطير بها فوق قريتنا، كنت أرى من فوق طرقات التراب، عيون الماء، الأشجار، الناس فوق السطوح مجتمعين ويضحكون، الأطفال يلعبون، كنت أتجول في سماء القرية لساعات طويلة دون أن أمل، كنت أدور وأدور وأدور. كنت أرى جدتي صالحة تحضر لنا دبس البندورة فوق سطح بيتنا وتجفف العنب ليصبح زبيبا، كنت ألوح لها بيدي، من فوق، لكنها لم تكن تنظر للأعلى أبدا فلم ترني.
حين كبرت، عرفت أن الرياح هي من تسطو على الغبار وتخر
جه من منازله العتيقة وأن الآباء ينسون حين يكبرون أنهم كانوا أطفالا وأن الألعاب تصغر كلما كبرنا، عرفت أن البحار لكل الناس لكننا لا نملك بحارنا ولا أنهارنا ولا سماءنا فنحن بلاد غير مسؤولة، الشيء الوحيد الذي لم يتغير حين كبرت هو الشخص طويل القامة فقد ظل هو أول شخص يقول لي الحقيقة ولا يكذب علي فحتى الآن لا أعرف بعد من يزيح ستارة السماء وكيف يفعل ذلك. بالطبع عالمي انهار وكذلك بيت الشجرة، أساسا لم يعد هناك أشجار يبني عليها الأطفال أحلامهم، مكنسة القش صارت عجوزا ولم تعد صالحة حتى لكنس الشوارع ولن أحكي عن البلد لأنني لم أعد أراها من فوق ولا أريد، لأن ما أراه وأنا على الأرض يكفيني، ما عادت السماء في قريتنا تمطر أزهارا.